رؤية نقدية أنجزها الشاعر و الممثل المصري خالد الصاوي
منقولة من موقع جيران
رؤية نقدية لرائحة الخبز :1/2/3/4 أنجزها خالد الصاوي
أصدقائي الأعزاء أرتأيت أن أنقل لكم هذه الرؤية النقدية التي أنجزها صديقنا الناقد خالد الصاوي لبعض أجزاء روايتي// رائحة الخبز// هذا الرجل الإنسان الذي لم يتسلل فقط إلى جزئيات روايتي و الغوص في تفاصيلها الدقيقة جدا بل ذهب إلى أبعد من ذلك ...إلى أعماق أعماقي لذا قررت أن أقرب هذه الرؤية النقدية الملموسة و المحسوسة إلى رائحة خبزي و إلى تاريخي التدويني..كما أتمنى أن يبقى التعليق مفتوحا حتى يتسنى للقراء الجدد الإطلاع على هذه الرؤية النقدية الجيدة والجادة..شكرا مرة أخرى للأستاذ الناقد خالد الصاوي على هذه الصفحة المجيدة التي تجمعني أنا و إياه رفيقين إلى الأبد..كما أشكر كل أحبابنا الذين حضروا مباركين لنا هذه الزفة المباركة.
صاحب رائحة الخبز//عبدالعالي أواب
رائحة الخبز وهموم عامل/خالد الصاوي
إلى كل المقهورين في عالمنا إلى الشعب الفلسطيني والعراقي وإلى عمالنا الشرفاء أهدي هذا العمل و للعم أواب الذي استوقفني العنوان كثيرا ( رائحة الخبز ) لما يحوي من معان عميقة وأخص بالإهداء كل جيراني جاد يقدم قيمة للقراء
.قراءة نصية
يبدأ الكاتب بتوضيح العلاقة التي قد تبدو متناقضة في مطلع عمله الإبداعي ما بين القلم كرمز للتعبير عن الكتابة وتفريغ المحتوى الفكري الذي يحمله وبين يديه الصانعتين التي لا تعرف إلا لغة الحديد وقطعه والكتابة هنا لا تمثل محض تفريغ خواطر للترفيه ولكن هي معتنق فكري وهنا نجد الصعوبة في تفهم حداد لهذا المعتنق (ليس بالأمر الهين أن يرمي حداد ما, المطرقة من قبضة يده و يمسك القلم بين أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ويعتنق ملكة الكتابة. )وهو يعطينا مبررات كيف أن العمال لا يستطيعون بسبب التعب الذي يؤثر على حياتهم والذي ينتقل معهم من داخل المصانع خارجها (كما ليس هيّنا عليه كذلك أن يمسح عن طبلتي أذنيه صياح القزدير , و يخلد إلى ركن هادئ و دافئ ,بعيدا عن صخب و ضجيج المصنع ونفاياته ليكتب يومياته مرتبة ومرقمة كما يجب .. ) و الشئ الوحيد الذي يدفعه للكتابة حتى يخرج هذا الكم الهائل من السخط (لكنها الضرورة, ضرورة البوح بما في الصدر من حَرّ قبل أن ينفجر !؟) وكما قلت سالفا فهو لا يكتب ترفا بل يريد أن يحدث ثورة حتى لو كانت على الورق فكاتبنا يحمل أيدولوجيا يتحرك من خلالها لا يستطيع إخفاءها رغم محاولته عدم فضح هذه المعتقدات أثناء الكتابة ( لكن هل أستطيع ــ أنا العامل البوجادي البسيط ــ أن أحدث ثورة على الورق) وتدور عدة أسئلة في هذا الرأس المتعب هل ..؟ وهل ..؟ وهل ...؟ ليجد نفسه في النهاية يلجأ لمقولة تراثية لوالده مما يؤكد أن الكاتب يرى في التراث بعض الجوانب التي يمكن الاستفادة منها فهي تاريخ قابل للجدل وأيضا يوضح الحكمة المتناقلة عبر الأجيال وخاصة من الطبقات التحتية في المجتمع (:(اللّي ما يَغسلْ كساتُو أو ما يكتبْ بْراتُو ولا ..ولا.. يتعزى في حْياتو..)) ( ثم يشرح المثل برؤيته الخاصة والمعاصرة والتي تؤكد أن مجتمعاتنا اتجهت إلى الفردية فكل مسؤول عن ذاته ( يعني كل إنسان وجب عليه قضاء حوائجه بيده وإلا فليتقبل التعازي في حياته قبل مماته وذلك خير له من عيشة ضنكا.. ) ,ثم يحدد كاتبنا الفترة المعنية بكتاباته وهي التي قضاها في مرار في الشركة المنجمية والتي نعتها تهكما بالشريفة وهذه المدة من القسوة بحيث لا يعدها بالأعوام فقط بل بالأيام مما يؤكد مدى الإحساس بالمرار كعامل قضى أيام شبابه بين هذه الأسوار بما تحوي كلمة أسوار من حبس وتقييد وأحيانا ظلم وإهانة وهنا يشتد الصراع الداخلي داخل الكاتب وهو يقارن بين مدى التعب والعرق المبذول وبين اللقمة الزقومية التي يحصل عليها لأفواه جائعة إذن الاضطرار هو الدافع الوحيد للاستمرار في مثل هذه الحياة الهذلية بمثل هذا الطرح من الظلم وما يتبعه في مقابل بيع الصحة والعمر بين جنبات هذه الأسوار القاسية لهذه الشركة ومثيلاتها ثم يبين لنا الكاتب القوانين التي تسير الحياة داخل هذه الأسوار وكلها قوانين الفساد والرشوة وأهم ملمح ركز عيه هنا هو محاولة الطبقة الحاكمة المتمثلة في الشيفات أن تخلق نوعا من التفتيت بين العمال مستغلين ضعاف النفوس وزهيدي الثمن من العمال ليقوموا بالوشاية وتسود هذا الروح بين العمال من أجل المكاسب الدنية التي يحصل عليها بعض العمال وبذلك يضربون وحدتهم التي هي مكمن الخطورة في التغيير ليس داخل أسوار الشركة المنجمية فقط بل وقد يكون خارجهاوهنا يطرح اختياريين للعمال إما العار أم النار والطرد والجوع وهنا أيضا يطفو الملمح الأيدلوجي والطبقي في كتابات عم أواب .ثم يبدأ في الجزء الثاني ليأخذنا في تفاصيل الدخول إلى عالم العمال وكيف تكون البداية غير مبشرة بالخير وكيف تكون مهينة وكيف هي الأحلام في دخول عالم المدينة وكيف يأتي العمال من كل فج وجيع هربا من الجوع والفقر إلى مذلة ومهانة نراها في المعاملة الغير إنسانية مع بداية إنجاز أوراق التعيين والاعتماد داخل هذه المؤسسة وكيف يوضع الأمر بين يدي طبيب يتعمد الإهانة لهؤلاء الذين سيصبحون عمالا نظاميين ولنلمح ما رآه الكاتب أو بطل القصة هنا داخل هذا المشفى وهو النهاية لبعض العمال وهو المرض المعجز وإهمال العلاج لهم فهم أعطوا ولا مقابل لعطائهم إلا المرض والعجز و الإهمال( عمال معطوبون يجرون عكاكزهم ومرضى صُفر يتشمسون هنا و هناك في حديقة مصفرة الأعشاب, منهم من يدخن ومنهم من يعيد فطوره, و منهم من يقرأ الجو رتال, و آخرون يلعبون الورق تحت أشجار الكلبتوس الوارفة, كل يمارس فوضاه كما يحلو له و كأنهم على علم مسبق بأن الطبيب المدير, مشغول .. ) ثم ينجح بطل قصتنا في الاختبارات الطبية ويعلم من مساعد الطبيب أنه لابد وأن يتوجه إلى إدارة الشركة ليلا ليكمل الإجراءات الخاصة بتعينه ويجد نفس حالة الازدراء والاحتقار التي يجدها أينما حط أو رحل داخل هذه المؤسسة العمالية المبنية في بنائها الاقتصادي والربحي على عرق هؤلاء العمال ,ثم يحصل بطلنا على رقمه الذي مازال يحفظه منذ ذلك التاريخ حتى هذه اللحظة وهو فرح كأن هذا الرقم هو الخلاص الوحيد من الفقر والجوع ( (سبعة,ثلاثة,سبعة,صفر, ستة)يعيش هذا الرقم,يعيش..! )وفي الجزء الثالث يوضح كيف كان بطلنا مسكونا بالذهاب اليوم الأول للعمل بعينين متأرقتين معتمدتين على ساعته القديمة والتي تمثل قيمة ثمينة له والقلق والرهبة يتملكانه , ثم يدخل وسط جموع العمال وهنا يكتشف الجميع هذا الغريب الجديد عليهم ويتهامسون ويضحكون وقد يكون ذلك لأن علامات التعب لم تظهر عليه أو لأن نظافة مظهره قد تكون هي السبب ثم يستوقفه الصوت الذي يبدأ من على الباب في إظهار التحكم ورغم جهل مستوقفه إلا إنه يذهب به ويسلمه للدركي الذي حضر بعد ساعتين مستخدما لغة الاستعلاء والأنانية وعرفه بنفسه بأنه مسئول القسم الميكانيكي وسلمه لرجل شيباني يجر عربة ثم يأمره بعد أن يجره من قفاه أن يتعلم من هذا الشيباني وعليه أن يأخذ منه زيا قديما يلبسه , ثم يدخل بنا الكاتب داخل هذا العمل بهذه الشركة معتمدا على الحوار الخارجي بين الشيباني وبين بطلنا وأيضا الحوار الداخلي الذي يعتمل داخل البطل نفسه مما يدخلنا هذا العالم بخفة ورشاقة دون الاعتماد على الوصف المباشر مما يجعلنا رغم كثرة السرد والتفاصيل لا نشعر بالملل داخل العمل بل يأخذنا الكاتب عن طيب خاطرنا مستسلمين له محركا أعيننا وعقولنا وأفئدتنا داخل هذا المكان ونتفاعل مع شخصياته التي تبدو مألوفة في حياتنا اليومية فلا نشعر معها بالغربة سواء متعاطفين معها أو مستهجنين لها , ثم يلفت نظره هذا اللحام الذي يكتم أنفاسه ليصبح دقيقا فيما خلق له من تشكيل الحديد أشكالا عدة وذلك تحت ظروف قاسية في العمل ونقص في المعدات مما يدل على أن العامل مهما تطورت التكنولوجيا فهو المحرك الأول لعملية الخلق والإبداع والتصنيع ثم يدخل لنا منحى إنساني عالي الشفافية في رائحة عرقه المختلط برائحة عرق زميله الكامن في الزيِّ الذي كان يلبسه زميله قبله وكأن الامتزاج في العرق والهم وضياع الحياة هو القاسم المشترك بين العمال وهنا بعد أن اختلط بطلنا بزملائه العمال يرى الصراع المفتعل والذي أججه إدارة هذه المنشأة للسيطرة على جموع العمال والصراع المفتعل بين شريحتين هما شريحة الشباب وشريحة القدامى من العمال وكيف أن الصراع بين العمال أخذ حد الخبث والمكر وخاصة من مومو الذي يريد له أن يقع تحت الجزاء الدركي ويعاني بطلنا منذ البداية الكره والسخط على هذا الدركي الذي اقتطع من قوته أجر يومين نسبب الضحك وكأن الضحك من المحرمات البشرية .ثم ينتقل بنا ويغوص كاتبنا من خلال بطله إلى داخل هذا العالم العمالي في لحظاته الصعبة أيام المجاعة وندرة الدقيق ( الخبز ) الشهيرة في بلاده في فترة الثمانينيات وهو يخرج لعمله مخلفا وراءه أب هرم يحتضر وأم تسعى من أجل الحصول على حصة دقيق ثم يتحول إلى العمل مهموما مكدورا يسمع أحاديث الزملاء عن المجاعة وكيف يأخذون حصصهم من الدقيق بسبب علاقاتهم مع مقدم الحي بعلاقة هات وخذ وهذه الطريقة الرخيصة لا يعرفها بطلنا لا هو ولا أمه , ثم يرسل له الدركي الذي أخذ يحدثه باستعلاء عن آليات الإنتاج والتصدير والاستيراد وفي أمور لا تشغل بطلنا ولا طبقته في ظل هذه المنظومات السياسية التي لا تقدر العمال ولا تعدهم هم بناة الأوطان الحقيقيين هم وشركاءهم الفلاحين فكيف ينشغلون بكل ما يكون غير عملهم , ثم يسأله الدركي عن صنعته وهنا بدأت الثقة تدخل نفسه فهو حداد ولحام وميكانيكي ويوكل له الدركي عمل مميز النجمة التي تحمل شعار وطنه ولم يشغله أي شئ سوى أن ينجز هذا العمل الذي يثبت به ذاته الصانعة , وبدأ ينجز عمله بين أدائه المتميز والجديد وبين نظرات الحسد أو التطفل من زملائه أحيانا ,وأخيرا أنجز عمله ببراعة وإتقان مع كثير من التعب والخسائر والجروح ولكن فرحته أنه فقط أنجز عملا مميزا , وبعد حيلة مع الدركي الذي لم يقدر مجهود بطلنا ونزل البطل في أجازته إلى ميدان الشرف للاحتفال بعيد العمال , وهنا يأخذنا الكاتب إلى منحنى آخر لقد أصيب بطلنا بخيبة أمل شديدة عندما وجد الدركي يتهافت على الوسام ولا يتهافت على النجمة التي هي تمثل رمز تعبه ورمز الوطن وتبين أن العمال هم البناوون لهذا الوطن النجمة هي الرمز الأول الذي يستخدمه الكاتب وإن كان قد فضح رمزه (عندما رمقت عيني الدركي يمد صدره منحنيا لا للنجمة بل للوسام!حينها شهقت من أعماقي باكيا بكاء الصبيان،بعدما انتابني ضيم شديد على النجمة وعلى الوطن و على ما رأته عيني..ثم تقدمت لا شعوريا بدموعي أمام الملأ صارخا بأعلى صوتي:تبا لكم أيها المجرمون ..يا أعداء هذا الوطن..وشحتم الدركي وتركتم الحركي!تبا لكم..تبا لكم..تبا.... )وهنا ينخرط بطلنا في البكاء والنشيج وتضيع ملامح صوته مع مظاهر الاحتفال ولكنه يرى أن البكاء هو أضعف النضال وكأن هذه اللحظة تحديدا هي المحرك الأول لوعي بطلنا ناحية النضال وناحية طبقته المطحونة
.ملامح عالم الكاتب :
يذكر لنا الكاتب ملامح علم متميز بالعطاء الفني هو عالم العمال وملامحه التي يسيطر عليها المعاناة والفقر وضيق ذات اليد فهم أتوا من كل فج وجيع بحثا عن الرزق والعمل يقدمون التعب والجهد والعرق من أجل فتات ترضي أفواه أولادهم وعوائلهم الذين يقومون بالإنفاق عليهم وهذا الملمح نراه مرتبطا بالعنوان الذي لابد أن يجذب القارئ الواعي وهو رائحة الخبز وهنا توقفت كثيرا أمام هذا العنوان - لدرجة أنني تشممت الخبز فعلا ولكنني لم أتنسم رائحته ولكنني أنا نفسي أتذكر رائحته وذلك يكون للخبز رائحة لحظة الجوع نفسها وبعد شرائه ساخنا لقد قمت بالتجربة عدة مرات لأفهم ذلك العنوان جيدا بل لأشعر به – فلم يكن العنوان محض عنوانا دعائيا لمقال بل كان ممثلا لعالم يعيش من أجل لقمة الخبز فقط ملتمسا كل السبل في سبيل تحقيقها والحصول عليه ساخنا وذلك بسبب الأفواه الجائعة التي تنتظره فهذا العنوان كافيا فقط لتصوير حالة المعاناة التي تعيشها الطبقة العاملة بشكل مستمر ونجد ملمحا آخر في ذلك العالم المطروح أمامنا وهو مدى القهر والاستهزاء و الإحساس من الغير بدونية العامل وحقارته ووضع الكاتب عالمين متقابلين داخل مؤسسة العمل العامل ممثلا عن طبقة المطحونين الذين يزدرونهم رؤساؤهم في العمل ويحتقرونهم في مقابل الرؤساء المتغطرسين المغرورين الذين يأكلون ويعيشون بترف من وراء كد هؤلاء العمال وهذا الصراع وإن لم يظهر فيه الصراع الطبقي واضحا لأن فئة الرؤساء في العمل إما هم ممثلون لسلطة حاكمة وتمتلك السلطة وسائل الإنتاج بصفتها تدير حركة رأس مال الدولة لصالحها ولصالح الشرائح الموالية لها و إما أنها تابعة للرأس مال الخاص وهذا لم يتضح من خلال السرد بل نحن نميل إلى أنها شرائح وفئات خاصة لإدارة رأسمالية الدولة ولكن يوضح لنا الكاتب أمرا مهما أن هذه الفئات هي النقيض المباشر والواضح في عملية الصراع الطبقي بصفتها ممثلة للاستغلال الذي يتم للطبقة العاملة , وأيضا يوضح لنا بحيادية تامة طبيعة العمال وكيفية تقبل الإهانات بسبب عدم الوعي بقوة طبقتهم وبسبب عدم نيل قدر كاف من التعليم مما يجعل منهم المخلصين والتابعين الأذلاء للرؤساء والمنافقين والحاقدين ويبدو لنا بطلنا مختلفا في التكوين الثقافي والفكري وأيضا البيئي فهو برغم فقره معتد ومعتز بنفسه مدرك لإبداعه كصانع ومدركا قيمته كإنسان له حق الحياة الكريمة
.اللماحات السردية في كتابات العم أواب :
لاشك أن الكاتب هنا يعمد إلى اجترار حكاياه الخاصة به ليكشف لنا عن عوالم مقهورة في مجتمعاتنا العربية ويلجأ إلى السرد كمعبر أساسي عن هذه الذكريات والسرد هنا نجده يغوص في تفصيلات جزئية كثيرة ولكنها رغم زخمها وكثرتها إلا أنها تؤدي دورا فاعلا وغير منفر للقارئ الواعي والمثقف فهي تفصيلات تبدو للوهلة الأولى أنها غير مفيدة لهذا العمل ولكنني أرى أنها تؤدي وظيفة حيوية في فهم هذا العالم الغني بالتجربة ونلاحظ أنه لم يعتمد على الوصف فقط في عملية السرد وإن مال إليه بعض الشئ( أصابعه المفحمة بلون الصدأ الحديدي ) ( أمام باب المستشفى المنجمي إلتقيت بمجموعة من الرفاق القادمين من كل فج وجيع, مذعورين تجوقنا كقطيع خرفان,لا حديث يدور بينا إلا عن سلامتنا )( في الطريق, كادت روائح الأدوية تزكم أنوفنا المشرعة, مررنا على أشياء كثيرة تثير الإنتباه, قطط رومية بدينة تحتل جهة المطعم, عمال معطوبون يجرون عكاكزهم ومرضى صُفر يتشمسون هنا و هناك في حديقة مصفرة الأعشاب, منهم من يدخن ومنهم من يعيد فطوره, و منهم من يقرأ الجو رتال, و آخرون يلعبون الورق تحت أشجار الكلبتوس الوارفة, كل يمارس فوضاه كما يحلو له و كأنهم على علم مسبق بأن الطبيب المدير, مشغول ..قلت في نفسي ربما صادفنا وقت الإستراحة! )ويكسر الكاتب السرد الوصفي والمباشر والانفعالي بتداخل الأساليب الإنشائية المتمثلة في الأسئلة الواعية لذاته أحيانا على شكل مونولوج داخلي أو عن طريق الحوار الذي يتم مع بعض الشخصيات الفاعلة في عالم الكاتب سواء الطبيب ومساعده أو الدركي أو بعض الزملاء في العمل .ويلعب التركيب اللغوي المتميز في هذا العمل دورا هاما في إتمام عملية السرد بنجاح فهو يميل إلى التلون والاشتقاق اللغوي في بعض ألفاظه مثل ( وجيع ) بالإضافة إلى التجديد في التركيب اللغوي الشائع والموروث سواء من القرآن الكريم أو بعض الأمثال والحكم وكاتبنا يمتلك حصيلة لغوية تسعفه على التعبير عن خواطره المزدحمة والمتلاحقة بالإضافة إلى التصوير الذي يخلقه الكاتب من بطن الصور القديمة ببراعة وبلا مجهود أو معاناة فهو كما يستطيع تشكيل الحديد فإنه يستطيع بنفس البراعة رسم الصور الفنية وخاصة الممتدة منها بالإضافة إلى ميله لاستخدام المضارع في عملية سرد الماضي فيزيد من الحيوية والهرموني المتصاعد للحدث فيضيف عنصر الجذب إلى عمله .
رائحة الخبز 1 http://aouab1.jeeran.com/archive/2007/3/174904.htmlرائحة الخبز2 http://aouab1.jeeran.com/archive/2007/3/187405.htmlرائحة الخبز3 http://aouab1.jeeran.com/archive/2007/5/218236.html رائحة الخبز4 http://aouab1.jeeran.com/archive/2007/5/230100.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق